موضوع: الواقع الكذاب الأحد ديسمبر 11, 2011 3:51 am
ما نراه في الواقع ليس دائما هوالحقيقة.. حتى ما نراه رأي العين و نلمسه لمس اليد.. فنحن نرى الشمس بأعيننا تدوركل يوم حول الأرض، و مع ذلك فالحقيقة أن العكس هو الصحيح، و الأرض هي التي تدور حولالشمس. و نحن نرى القمر في السماء أكبر الكواكب حجما، مع أنه أصغرها حجما. و نحننلمس الحديد فنشعر بأنه صلب متدامج، مع أنه في الحقيقة عبارة عن ذرات منثورة فيفراغ مخلخل، و بين الذرة و الذرة كما بين نجوم السماء بعدا.. و ما يخيل لنا باللمسأنه صلابة و تدامج هو في الحقيقة قوى الجذب المغناطيسي الكهربائي بين الذرة والذرة.. نحن نلمس القوانين بأصابعنا و ليس الحديد. و نحن ننظر إلى السماء على أنهافوق، و الأرض على أنها تحت، مع أنه لا يوجد فوق و لا تحت.. و السماء تحيط بالأرض منكل جوانبها. و الهرم بالنسبة لنا شيء لا يمكن اختراقه، مع أنه بالنسبة للأشعةالكونية شفاف كلوح الزجاج، ترى من خلاله و تنفذ من خلاله. و صقيع القطبين الذي نظنأنه غاية في البرودة هو بالنسبة لبرودة أعماق الفضاء جحيم ملتهب. و في الحقائقالإنسانية تكذب علينا العين و اللسان و الأذن أكثر و أكثر.. فالقبلة التي تصورناهافي البداية مشروع حب نكتشف في النهاية أنها كانت مشروع سرقة. و جريمة القتل التيأحس الجميع بأنها ذروة الكراهية يكتشف الجميع أنها ذروة الحب. و ما قد يبدو للزوجأنه خيانة من زوجته لفرط إحساسها بجمالها قد يكون الدافع الحقيقي له هو إحساسالزوجة بقبحها و شعورها بالنقص، تحاول الخلاص منه باستدراج إعجاب الرجال، والانتقال من خيانة إلى أخرى. و ما تكتب عنه الجرائد بالإجماع على أنه بطولة قد يعلمالبطل نفسه أنه كان انتحارا. و في الحقائق الاجتماعية تتعقد الأمور أكثر، و يغرقالحق في شبكة من التزييف تشترك فيها كل الإرادات، و يصبح الحكم على الأمور بظاهرهاسذاجة لا حد لها. و في الحقائق التاريخية يكتب المؤرخون في كل عصر و من ورائهمالسلطة، و تكتب أقلامهم ما يريد الأقوياء أن يقولوا. و ما أصعب الوصول إلىالحقيقة.. إن الوصول إلى المريخ أسهل من الوصول إلى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتحكل يوم عند نافذتك.. بل إن الوصول إلى أبعد نجم في متاهات الفضاء أسهل من الوصولإلى حقيقة ما يهمس في قلب امرأة على بعد شبر منك. بل إن عقولنا تزين علينا حتىعواطفنا نفسها، فنظن أن حب المجد يدفعنا و الحقيقة أنه الغرور و حب الذات.. و نظنأن العدالة هي التي تدفعنا إلى القسوة في حين أن الذي يدفعنا هو الحسد و الحقد. منالذي يستطيع أن يقول.. لقد أدركت الحقيقة؟ من الذي يجرؤ أن يدعي أنه عرف نفسه؟ ليسمن باب التواضع أن نقول.. الله أعلم. و إنما هي الحقيقة الوحيدة الأكيدة فيالدنيا.. إننا نجهل كل الجهل حتى ما يجري تحت أسماعنا و أبصارنا. و برغم جهلنايتعصب كل فريق لرأي.. و قد تصور كل واحد أنه امتلك الحق، فراح ينصب المشانق والمحارق للآخرين. و لو أدركنا جهلنا و قدرنا لانفتح باب الرحمة و الحب في قلوبنا، ولأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها. متى نعرف أنا لا نعرف؟!................ مصطفى محمود