موضوع: بائعه الكبريت الخميس سبتمبر 15, 2011 10:39 pm
في يومٍ ماطرٍ عاصف ، اكتسى المدينة ظلامٌ دامس ، الرياح تزمجر بشدة ، و أصواتُ صفيحٍ يتكسر ، أوراقٌ تتطاير ، و شوارع خالية إلا من قليلٍ من المارة ، ضوءٌ خافت يظهر فجأة يبدو أنها سيارة تحاول التراجع و تخشى التقدم ، غريب فما أمرها ، كأنها أخيراً بدأت تتقدم نحو بابٍ حديدي نُقش عليه اسم السيد " أمجد " صاحب المنزل ، توقفت أمام الباب و خرج منها رجلاً بشعرٍ أبيض و أسود و ملامح شرقية بنكهةٍ جذابة .
يعبر الشارع من الضفةِ المقابلة فتاةٌ يلف جسدها النحيف ملابسَ رثة لا تصلح لشتاءٍ قارص ، و لها عينان غائرتان ظهرت عليهما آثار التعب و الإرهاق الشديدين ، تمسك في كفها الصغير علب كبريتٍ بللها المطر ، و بالكفة الأخرى احتضنت جوريةً حمراءَ تمسكها بقوة كأنها مهداة من عزيز ، تقدمت نحو الرجل الوسيم ، نظرت إليه و ابتسمت بادلها بواحدة ، بدأت عيناها تمتلئان بالدموع و كأنها تريدُ أحداً يحتويها و يزيح عنها هماً يكبرها سنيناً ، اقترب منها الرجل قال لها " لا تخافي " فأعادت الابتسام و بصوتٍ مخنوقٍ يتنهد
- " علب الكبريت بللها المطر " لم تكمل و أجهشت بالبكاء ،
عادت تعبر الشارع المعتم بقدمين متثاقلتين أعياهما التعب ، و سعادة لا يحدها شئ فقد باعت علب الكبريت كلها رغم البلل ، كانت تمضي مبتعدة و السيد أمجد مازال واقفاً يتابعها و لم يبرح المكان حتى توارت عن ناظريه .
ليلة لم يستطع النوم فيها و هو يفكر بأمر تلك الفتاة ، يا ترى أين ستقضي ليلتها ؟ ألها بيت يأويها أم غطاؤها السماء و فرشها الأرض ؟ لام نفسه كثيراً لِمَ لَم يدعوها الليلة للمبيت عندهم فالجو جد بارد ، شعر بالذنب تجاه براءتها و ما إن نظر للجوريةِ الحمراء بدأ بالبكاء كطفلٍ مُنع عن صدر أمه ، نظراتها البريئة لم تبرح مخيلته و صدى صوتها يتردد بذاكرته " علب الكبريت بللها المطر ، علب الكبريت بللها المطر ، علب الكبريت بللها الم … " ضوء برق عمَ المكان صوت رعد يخطف الأنفاس
- آآآآآه الصغيرة أصابها مكروه ، رحماكَ ربي الطف بها
نهض كالمجنون مسرعاً ، قطع درجات السلم بقفزة واحدة ، أخيراً وصل الباب
أخذ يتلفت يمنة و يسرة ، أين ذهبت يا ترى ، بصوتٍ كاد يخترق العوالم كلها نادى
- صغيرتي أين أنت ، أيـــــــــــــــــن أنت ِ ؟!!
- هاه … سيدي … ما بك ؟
التفت ناحية الصوت أين مصدره ، إنه من الأسفل ، نظر بجوار قدميه و إذا بجسدٍ نحيلٍ تكوَّم على نفسه ووجدها قد جمعت ذاتها لتمنحها دفئاً !!
صغيرتي ما أعادك هنا ، ولِِمَ لَم تطرقي الباب ؟ أين بيتك ؟ من اهلك ؟ وو …
سيلُ من الأسئلة بدأها السيد على الفتاة لتقاطعه بابتسامة تذيب كل عناء
- لا تقلق عليّ فأنت اليوم يا سيدي منحتني سعادة لم أشعر بها قبلاً ، لأول مرة أبيع كل ما أملك من علب الكبريت رغم بللها ، فعدت أنتظر خروجك صباحاً لأشكرك و أهديك تلك الجورية الحمراء لتتذكر دوماً فتاة يسعدها و يمنحها أماناً أن تبيع علب الكبريت كلها و لا تحلم بشئ آخر فهي لا تعدو كونها بائعة كبريت وجودها ينتهي باحتراق العود ...!! عن جنه الشوك ...من الادب العالمي